الاثنين، 7 مايو 2012

متر مربع


ما الجديد ؟؟
هو كما هو ... كعادته
كلما أحب بصدق .. أي نوع من أنواع الحب – على سبيل الاسترسال في السخافة و بفرض أن للحب أنواع – أحب أن يملك .. أحب أن يصبح أولا .. أو وحيدا في كثير من الأحيان ..
هكذا فطر منذ خطواته الأولى مع أصدقائه .. من البنين .. و منذ أن عرف معاني و أبعادا أخرى للصداقة في بدايات شبابه ..
هكذا كان أسلوبه .. يحب حتى الجنون .. حتى الأنانية .
لم ينس أبدا حين ضحك من نفسه عندما شعر و لو بغيرة قليلة من زوجة أعز أصدقائه و كأنها ضرته ..
و كيف أدرك يومها ..
لا لم يدرك و لكنه سأل فقط القدر "هل أخذت صديقي مني بالفعل" ؟؟ 

لم ينس أبدا كيف أنه التف حول نفسه حتى البكاء حين سافر أحد أعز أصدقائه إلى الخارج و تركه .. لم يبك لأنه لم يذهب مثله إلى " بلاد بره " أو لأنه حتى تركه مدة شهور الصيف الثلاثة .. بل لأنه أدرك أن صديقه هذا هو هو نفسه الذي وضع أمام عينيه أنه سوف يترك هذه البلد يوما بلا رجعة و يتركه .. لهذا بكى !!


لم ينس أبدا كيف بكى حتى النشيج ليلتها و هو في غرفته المظلمة دون أن يشعر به أحد .. يذكر كيف بكى ليلتها لمجرد دعابة أعز أصدقائه معه عندما أخبره أن أحد العرافات أخبرته منذ ما يقرب من عشر سنوات أنه سيدخل الطب و لكن في السنة السادسة ستصدمه سيارة و ينتهي .. يذكر كيف بكى بجنون ليلتها و كيف صار ذلك الموضوع هو محور صلاته اليومي .. و كيف صار مع صديقه هذا كلما عبرا الشارع سوياً لا يتركه أبدا يكون الأقرب لاتجاه السيارات .. ثم يقول له محاولا إظهار السخرية : " حتى إذا صدمتك سيارة العرافة أكون أنا قبلك " !!
يذكر كل هذا و يذكر الإنسانة الوحيدة التي أحبها حتى الآن – كما يحب الرجال النساء – و كيف حدث ما حدث و لا داعي لتكرار القصص " فقط اقرأ قصة العيادة " !!


يذكر بعدها مباشرة أنه اكتشف دربا جديدا من المحبة لم يسلكه من قبل .. نوعا جديدا من المحبة غمره غمرا .. إنقض عليه انقضاضا .. فلم يملك إلا بأن يبادل هذا الحب بالحب .. كانوا يعلمونه منذ صغره "لا صداقة بين الولد و البنت" .. هو نفسه لا زال يقول ذلك و يردده .. و لكن , يا جماعة أنتم لا تعرفون شيئا !! 
بالله كيف يمكن أن تصير علاقتك مع هذا الكم من الحب الصادق - الذي تشعر معه انك ابن و ليس صديق – و الثقافة و رجحان العقل و نقاء القلب و الصدق النادر و حب الكمال في كل شئ .. كيف تصير علاقتك مع كل هذا مجرد مصافحة من بعيد لبعيد !! أمن فصيلة الأحجار أنت ؟؟!


" إذن هو الارتباط يا أخ علي , ما هو يا كده يا كده , مافيش وسط !! " , صدقوني أنا نفسي كنت أدعي ذلك شطرا كبيرا من الزمان .. و لكن الوضع مختلف !! نحن نختلف في الكثير أيضا رغم كل ذلك .. فهمت ؟
" أتحبها ؟ " , طبعا  
" وقتها ستجد الحب يقرب كل شئ " , لست أحبها هذا الحب !!
" أأفلاطوني أنت " ؟

وقف أمام هذا السؤال قليلا و لم يجب !! 
لا , لست أفلاطونيا طبعا .. أنا رجل و إذا أحببت امرأة .. حب رجل لامرأة لا أقبل بأي حال من الأحوال أن أكون ثانياً أو أولا بشرطة .. أو أن يكون هناك غيري في اللستة أصلا !!
و لكني لست أحبها هكذا في الأساس .. أحبها كأخت , كصديقة , كملهمة , كحالة و وجود من المحبة الوالدية الصافية التي لا تهدأ حتى تخرجك من كل أحزانك .. فتصل بذلك إلى حالة تنسى فيها اختلاف الجنسين أصلا !! 
لم أحبها ذلك الحب .. بدليل أنني سوف أكون أكثر الناس فرحاً يوم فرحها ..
فرحها ؟؟!! 
يترك الحوار للحظة .. يتذكر أعز أصدقائه الذي أحس بافتقاده عندما تزوج !!
يقول لنفسه هذا صديق !! فكم يكون الحال بالصديقة !! 
هل ستذكرني حقاً و أنا الحديث العهد بصداقتها !!
سنفترق لا محالة بلا رجعة كسابق الأيام ..

لماذا تجبرنا الحياة على ما لا نريد ؟؟
 لماذا لا تتركنا تلك الدنيا اللعينة مع كل من أحببنا و كل من صادقنا و كل من تمنينا ؟؟ لماذا لا تتركنا و حالنا في جزيرة بعيدة عن الموت و الفراق و الهجرة لأمريكا !! بعيدا عن ساقية عمل و زواج و أولاد تدور و تدور حتى الموت ثم لا نحصد من مائها شيئا بعد ذلك !!

لماذا ؟؟ 

يئن .. تدور الأفكار في رأسه !! 
يتأرجح ما بين تفكير يجبره عليه خوفه من الافتراق .. و ما بين صداقة أخوية حقيقية عميقة تنمو يوماً بعد يوم !!
يستعيد عافيته تماما من قصة حبه العاثرة الأولى و الوحيدة .. فتتضح أمامه الكثير من الأمور بعدها .. و يرى كيف أن العقل هو أحد الهبات الربانية التي لا تنمو بداخلك إلا بالتجارب .. لتعينك على الكثير فيما بعد ..

كان جالساً يومها يفكر .. لا يدري ما الذي جعله ينشغل بتلك العمارة ذات العدد الذي لا ينتهي من الطوابق التي تبنى حديثا أمام منزله .. يتأملها في أوقات فراغه .. الذي صار لا ينتهي أيضا !! 
تنشأ بينه و بين العمارة علاقة صداقة أيضا .. ينتعش برؤية تصميماتها البديعة و زخارفها المبهرة .. يشعر بالغبطة و هو يراها تنمو يوما بعد يوم و تعلو على ما يجاورها من أبراج .. و كأنه واحدا ممن شاركوا في بنائها .. صاروا أصدقاءا .. 
هو لا يريد أن يسكن ذلك العقار .. لأنه ببساطة بمجرد أن يسكن فيه لن يستطيع بعد اليوم أن يتأمله و هو يعلو .. بل لن يراه أصلا .. 

كان غارقا في أفكاره تلك .. يحاول أن يشغل ذهنه .. 
يرى البنائين و هم يلقون بأسياخ الحديد التي سيقوم عليها الدور التالي .. يشعر أن كل سيخ لكي يأخذ مكانه صحيح قد يعطي شيئا من الضوضاء أولا .. إذ لابد أن يصطدم ببعض الأسياخ و الأخشاب الأخرى .. و لكنه بمجرد أن يستقر في مكانه المحدد .. يصبح واحدا من أساساتك التي تبنى عليها حياتك بأكملها .. و التي لا يمكن أن تضعها كلها في متر مربع واحد .. و إلا صرت عقارا مساحته متر مربع واحد بالتبعية !! 
هو لا يريد أن تصبح مساحة حياته مترا مربعا ككثيرين غيره !!


لا يريد .

هناك تعليق واحد:

  1. like :)

    بس مش عارفة ... ليه تجبرنى أراجع حاجة تانية علشان افهم الصورة كاملة .. إيه طريقة المراجع العلمية دى ؟؟ أنا بذاكر ولا بقرا قصة ؟؟ ;)

    بحب قوى قوى قوى أسلوب الحوار الذاتى .. أروع الأساليب الأدبية أمتاعاً واعلاها احساسا بالنسبة لى وأكتر نوع بتوحد معاه ... علشان كدة عجبتنى :)


    حساها شوية محتاجة روابط أكتر .. ماتتوقع مش القارئ أنه عنده نفس خلفياتك عن نفس الأفكار ..

    ليه حساها أقرب لخواطر ذاتية منها لقصة ؟؟ ;)

    ردحذف