يوم لما اموت وحدي و ارتاح و يهدى البال ما في من أمل عندي غير نشوة الأطفال و يقولوا من بعدي كان قعر طاسة تيفال لا لزق ولا مصـدي ولا قال كلام متقال
الجمعة، 22 يونيو 2012
الجمعة، 25 مايو 2012
عن حمادة التاني نتحدث .. يا بشر
لمعلوماتك الراوي هنا ليس مجبرا على شئ .. و لا
حتى على أن يتقمص دور أحد أبطال فيلم " inception " أو أن يجبرك على البقاء معه داخل حلم ..
مجرد حلم !!
دعه فقط يتفق معك منذ البداية على أنه لم يكن
حلماً و لن يكون .. لقد وعدني بذلك.
دعه يعرفك بحمادة إن كنت لا تعرفه ..
إحم !! هل تعرف أنني أيضا لا أعرفه .. نعم يا
سيدي للأسف , فأنا أيضا سأتعرف عليه معك لاحقا .. أو قل ؛ سأعرف عنه المزيد.
عندما سمعت عنه لأول مرة سألت نفسي هل هو إنسان
متميز ؟ متفرد ؟ أم مثل باقي الناس ؟
هي مسألة نسبية على ما أعتقد .. قد نراه أنا و
أنت كذلك , و قد تكون حجتنا في ذلك كونه طالب طب مجتهد .. أو لكونه فنانا أيضا
يجيد الرسم .. و أي رسم !!! هل رأيت أصدقاءه مرة و هم ينظرون إلى رسوماته في
الهيستولوجي و الأناتومي بملء عيونهم ؟؟ كانت خطوطه وخيوطه ترقص .. تتحدث .. تنسج
الموسيقى , تبدعها يداه إبداعا صافيا جميلا و كأنها سافرت عبر الزمن .. من عصر
دافنشي مثلا .. ثم أتت لتخرج إلى أوراقه ثم إلى أعينهم و أذهانهم في نهاية المطاف ..
كنت أظنه منطويا أو متوحدا .. و قد تظنه أنت
أيضا .. و لكن الحقيقة تقول لا ؛ لم يكن كذلك .. كانت له فلسفته الخاصة على حد
معرفتي .. الدليل على ذلك أن كل من عرفه عن قرب كان يؤمن تماماً بخفة ظله و عذوبته
إيماناً لا ريب فيه و لا شك .. كل ما في
الأمر فقط أنه كان يؤمن أيضاً بأن كثرة المعارف و ضياع الوقت في الثرثرة قد يخرب
النفس و يفصلها عن جديتها ...
و الدليل على ذلك أيضا أن هشام ألصق أصدقائه
إليه .. في السكن و في الكلية .. قد ترك الكلية مضطرا و انتقل إلى طب أسيوط لسببين كليهما يؤكدان فلسفة حمادة التي سلك على
نهجها منذ البداية .. الأول هو قلبه الذي تحطم جراء حبه الخاسر لتلك الفاتنة التي
لم تكن من ثوبه على الإطلاق ؛ كما يقولون , فإذ به لا يطيق العيش في محيط هي به و
يقرر التحويل .. والسبب الثاني و الأقوى هو ذلك الأستاذ الذي أقسم له أنه لن يتخرج
في هذه الكلية ما حيا .. و ذلك عندما "برطم" هشام مع أصدقائه بخصوص هذا
الأستاذ بعد اختباره الشفوي أمامه فما كان من الأستاذ الدكتور إلا بأن سمعه , فأن
يستشيط غضباً , فأن يستحلف له , فألا يجد هشام مفراً إلا و أن يترك تلك المدينة
أصلا التي دقت بكل طبولها فوق رأسه .
عندما كان يسدي النصائح لهشام طيلة هذه السنوات
.. كان يود أن يستميله بالأكثر للإهتمام بدراسته .. و لكنه لم يسمع , ثم ها هي
النهاية , يتركه وحيدا بلا أصدقاء حقيقيين يعتمد عليهم في العامين المتبقيين له من
دراسته .. يتركه ليتحمل بجلد ما تبقى من
الوقت - حتى يعود إلى قريته بالشهادة - مكتفيا فقط بابتسامته تلك المهذبة الرقيقة
نحو كل من يتعامل معهم , و التي غالبا ما يتبعها قولهم دائما من خلفه كلما تركهم :
" الواد ده محترم أوي " .
إذن ليتك تتفق معي أنه كان متميزاً حقاً ..
رغم أني لازلت أعتقد بأن الموضوع نسبيا تماما ..
و لكني لا أعتقد أن النسبية هذه قد تصل للدرجة التي تجعلك و تجعلني معك نغير وجهة
نظرنا فيه , فقط لأنه كان – مثلا- بالنسبة لكثير من أساتذة الكلية و لا متميز و لا
يحزنون .. هم لا يرونه شيئا أصلا , مثلما لا يرون غيره من زملائه .. مع وضع بعض الاستثنائات
في ذهنك , أظنك تعرفها مثلي مسبقا ..
قد لا يغير من وجهة نظرنا فيه إذا عرفنا أنه
شاهد مرتين مثلا أفلاما جنسية مع بعض أصدقائه في السكن .. ثم توقف عن ذلك تماما و
تاب بحزم مع نفسه !!
و قد لا يغير من وجهة نظرنا فيه أنه رسب مرة .. لأول
مرة .. صحيح أنه حاول أن يقنع والديه في البلد , بأنه لم يكن الوحيد حينها و أنها
مادة تدعى أخلاقيات الطب ""ethics لا قيمة لها و لا تضاف للمجموع الكلي .. و لكنه ظل رسوبا
في نظرهم , و لم يقتنعوا بتبريراته , و لا هو نفسه اقتنع .. حتى الآن .
قد لا يغير من وجهة نظرنا فيه أنه منذ السنة
الرابعة في الكلية نشأت بينه و بين لعبة الشطرنج علاقة قوية .. و سريعة .. تقدم في
اللعبة كثيرا , ازداد تعلقه بها و ازداد تعلقه بالتنافس مع زملائه فيها .. صار الثلاثاء
من كل أسبوع يوما مكرساً للشطرنج ؛ يشارك تلك المجموعة المكونة من أربعة من زملائه
عند حديقة الكلية في اللعب , بدءا من انتهاء اليوم الدراسي و حتى الغروب .
قد لا يغير كل هذا من نظرتنا له .. خصوصا إذا كان
في تلك السنة و السنة التالية لها أيضا قد حصل على تقدير " إمتياز " أخيرا
و بعد طول انتظار و ملل من الـ (جيد جدا ) .
كان يشعر أن جلسة الشطرنج الأسبوعية هذه هي
المحرك القوي للعمل بجد و نشاط بقية الأسبوع , فظل ملتزما بهذا اليوم طيلة السنتين
, عدا أيام الإمتحانات , و ما أكثرها , حتى رغم ضغط المذاكرة عليه في عامه الأخير
هذا .. في السنة السادسة .. لم يكن يتغيب عن هذه الصحبة .
يوم الثلاثاء التالي لإجازة العيد لم يأت حمادة
..
ظن زملاؤه أنه قد يكون أراد البقاء ليومين
إضافيين مع أهله في البلد ..
و لكن الثلاثاء التالي أتى و هو لازال غائبا ؛
لم يأت .. حاولوا الاتصال به .. كان هاتفه مغلقا !!
حاولوا الاتصال بسكنه الجامعي .. ما من جديد
عندهم .. لم تصلهم أية أخبار عنه .. و لم يتصل !!
بعدها بحوالي عشرة أيام .. اتصل أخ حمادة الأكبر
بأحدهم .. أخبره بأنه مريض قليلا .. أخبره أنه سيحتاج أن يتغيب لأكثر من أسبوعين
إضافيين .. ثم سأله إن كان يستطيع أخذ العذر له من المعيد المشرف على الحضور و
الغياب حتى يتعافى من مرضه !! حاول الصديق الاستفسار عن تفاصيل المرض .. فلم يخوض الأخ
معه في تفاصيل أكثر !!
ماذا حدث ؟؟
و ما سر هذا المرض المفاجئ ؟؟
بل بالأحرى , هل هو مريض حقا أم ماذا ؟؟
لقد كان في تمام صحته في آخر مرة رأوه فيها !! و
لم تكن هناك أية بوادر تشير إلى أي علل و شيكة !! صحته العامة كانت جيدة !! حتى
نوبات الإنفلونزا كانت ضيفاً خفيفا عليه , لا يطيل .. و لا يكثر الزيارات !!
ثم ما سر هذا التكتم و التحفظ في الحديث منه و
من أسرته ؟؟ حتى عندما حاولوا الاتصال به
ثانية , ما من مجيب !! و لا حتى هاتف أخيه يعطي الأمل في الرد أو في الحصول على
أخبار جديدة !!
تمر عدة أشهر ..
عدة أسابيع فقط تفصل ما يقرب من ألفي طالب عن
نهاية الماراثون ؛ ماراثون الطب المضني .. عدة أسابيع فقط تفصلهم عن امتحانات
نهاية العام , و كل الأعوام .. ثم عن النتيجة .. ثم سنة التدريب .. ثم القَسَم ..
ثم شهادة التخرج .. و كارنيه النقابة .. ثم كل إلى حال سبيله و إلى مستقبله ..
عدة أسابيع فقط تتبقى على كل هذا , و هو لا يزال
مسافرا , أو مختفيا , أو مريضاً .. لا أحد يعلم !!
قبل الامتحان بأربعين يوما بالتحديد .. جاءهم
الخبر اليقين ..
حمادة مريض حقا !!
نعم حمادة طبيب المستقبل مريض بمرض عضال ؛ نادر
.. جاءته العديد من التشخيصات من أطباء عديدين ؛ أطباء و أساتذة لا يحصون عددا ..
و علاج الكل لا يجدي , و تحسن الحالة باهت غير ملحوظ .. أو غير موجود .
جاءهم الخبر اليقين فقط عندما انتقل بعد كل هذا
الوقت و بعد السؤال و الجواب و الأخذ و الرد - من قبل أسرته - إلى المستشفى الجامعي
–جامعته- انتظارا للأستاذ الكبير العلامة العالمي الذي سيأتي بعد يومين ليقرر مصير
حالته .. و وجهتها التالية .
يومين !! هل كانا حقا يومين فقط ؟؟
هي مسألة نسبية أيضا .. أو هل تظن مثلا أن
الساعة التي تقضيها في زحام مترو أنفاق القاهرة وقت الظهيرة تتساوى بساعة تقضيها
مثلا وسط نسائم كورنيش النيل ليلا و وسط باعة الفل ؟؟ أشك !!
و لهذا أشك أنهما كانا يومين بالفعل .. كيومين
من أسبوعه السنوي مع أسرته في الإسكندرية مثلا !!
دعني فقط أوضح لك أمرا ..
" أحمد " لم يعتد على التدليل من قبل
أهله منذ صغره .. لاحظ أني قصدت ذكر اسمه الحقيقي لك هنا .. و ليس معنى أنه لم يسمع
ذلك الاسم إلا نادرا من أهله و من أصدقائه أنه نشأ مدللا كاسمه .. ربما كان نداؤه
بـ (حمادة) هو مظهر "الدلع" الوحيد في حياته " الناشفة " تلك
.. و لربما كان لذلك لا يقبل بأنصاف الأصدقاء , حتى لا يفقد ذلك العالم الصغير
الذي يرسمه لنفسه بمن حوله , كما يرسم خلايا الهيستولوجي .. لأنه فقط - وهذا من
أبسط حقوقه- لم يكن يريد أن تنقله كلمة
"أحمد" الرسمية الجافة تلك من عالم (حمادة) الصغير .. عالمه البرئ
الضيق.
لم يكن معتادا على التدليل إذن !! كان أوسط
إخوته .. ذلك المكان الذي لا طال "البكري" و لا " آخر العنقود " حتى .. كان في ذلك
المكان الظليل الهادئ من الأسرة .. و المنسي أحياناً !!
لم يعهد ذلك النوع من الحنان "الفاقع"
إذن -هكذا كان يسميه - و أظنه لم يكن يطلبه كذلك !! بل كان بالأولى ينكره على من
يلهثون وراءه بنهم لا ينقطع ..
لم يطلبه و الله العظيم .. كل ما كان يطلبه في
حياته الستر و الاحترام .. ذلك كل ما كان يكفيه .. و بالنسبة للزواج فأمه ستتولى
اختيار بنت الحلال له في الوقت المناسب و تستمر الحياة بعدها بنفس الهدوء المعتاد !!
و إن لم توفق أمه في اختيار من تناسبه .. فقد
يشير عليها بزميلته تلك السمراء .. طبعا لن يحكي لها كما حكى لهشام عنها ؛ أنها
تلك التي كان يربد وجهها خجلا كلما تلاقت عيونهما دون قصد .. أو بقصد .. لا يعرف بالتحديد.
هل كانا حقا يومين فقط !!
عندما رآهم في اليوم الأول آتين نحوه بالزهور ..
لم يطلبهم و لم يرفضهم كذلك , لا هم ولا زهورهم . لم يكن يعرف كيف علموا بتواجده
هناك .. أو بصرف النظر عن مصدر الخبر .. فالسؤال الأجدر بالطرح هنا .. هل هو حقا يحمل
ذلك القدر في نفوسهم كي يأتي كل هذا العدد لمقابلته .. من دفعته !!
هل كانا حقا يومين فقط !!
حينما توالت الأحداث تجري و تتسارع .. الأستاذ
الطبيب الكبير اعتذر عن المجئ لسبب قهري منعه ..
أحمد يرى يد أبيه مضرجة بالدماء بعد أن ارتطمت
بنافذة الغرفة و هو في قمة ثورته على أطباء القسم بسبب ابنه الذي تسوء حالته يوما
عن يوم و ما من أحد لديه حل أو علاج !!
تنهد وقتها و هو ينظر لزجاج النافذة المكسور .. تذكر
كيف كان ينظر هو و زملاؤه بعين الاحتقار لهؤلاء " الصيع بتوع الميري "
الذين يعتدون على الأطباء .. بل حين اعتدوا عليه هو شخصيا حين حضر تلك النوبطشية
في استقبال الطوارئ في الصيف الماضي ولم يكن قادرا على إسعاف صديقهم .. التمس لهم
العذر.
حاول أن يعدل من صورته أمام نفسه .. تذكر راوند
الجهاز الهضمي في العام الماضي .. حين أشفق على ذاك الرجل الذي قام بعملية "فتاء"
و استسمحه بأن يكتفي بأخذ تاريخه المرضي فقط دون فحص بطنه لأنها تؤلمه بشدة ولا
تحتمل .. ففعل و تحمل عدم إكمال "الشيت" إشفاقا عليه , و احتراما
لإرادته.
إعترف أن الحياة لا تعطي تدليلا ما لمن لم يطلبه
.. بل أحيانا لمن يطلبوه حتى !! فقط تأكد من ذلك عندما اكتشف أن كل زهرة قدمت إليه
من زملائه كانت بمثابة رخصة تصريح لهم لفحص حالته النادرة تلك و أخذ التاريخ
المرضي لتلك " الفرصة " التي لن تتكرر كثيراً ..
يراهم يتحلقون حول الطبيب المدرس .. الذي يكشف
لهم ما استطاع من مفاتيح الحالة و خباياها على حد علمه المحدود عنها ..
لا يدري ما الذي شل لسانه عن النطق برفضه للفحص
من قبلهم .. أو "التفعيص" فيه إن دق التعبير !! لعله كان يخشى ذلك السيل
من الكلام الجارح الذي كان يصب على رأس أي مريض أو قريب لمريض كان يتهور و يطلب
ذلك الطلب (السافر) من الأستاذ صاحب درس اليوم !!
هو وضعه مختلف .. هو طبيب !! و لكن من أدراك أنه
لن ينال تقريعا مضاعفا لكونه طبيبا و في الوقت نفسه لا يتعاون معهم على خدمة العلم
.. و العلماء !!
ينظر إلى عيونهم .. تحرقه نظراتهم الثلجية
الجافة التي لا تنظر إلى عينيه على الإطلاق .. التي لا تنظر إلى شخصه !!
يبدأ الفحص بالدور .. أيديهم لا تنبض .. تحولت
إلى أيد خشبية كلها في لحظات .. هكذا شعرت أحشاؤه المستكينة لانتهاكاتهم !!
الهالات السواداء التي تتحلق تحت جفونهم من كثرة
السهر .. مقلهم التي برقت , أيديهم التي أسرعت إلى الكشاكيل حين تحدث الأستاذ عن
سؤال امتحان شهير ..
كل ذلك جعله يتساءل .. من يكونون أولئك , ذوي
السترات البيضاء الكاذبة ؟؟
ينتهي الراوند ..
تشكره زميلته التي قامت بتقديم " الشيت "
بابتسامة مشفقة , قبل أن تنصرف ..
تخيل أنه لا يعرف حتى اسمها !!
و تخيل أنه لم ير في حياته ابتسامة بمثل هذا
الجمال من قبل ..
لم تكن له .. و لكن كانت حين أخبرها الأستاذ أنها "
شاطرة عشان أخدت الشيت بتاع النهاردة كويس " !!
و تخيل أن زميلته تلك .. كانت هي ذلك الاقتراح
الذي كان ينوي أن يقدمه إلى أمه حين تبحث له عن بنت الحلال التي سترتبط به ..
بحمادة التاني .. الذي كان لايزال يعرفه .. قبل يومين من الآن !!
-----------
( قبل أن تفكر حتى ؛ مجرد تفكير , أنني قصدت
إدانة أحد ما بهذه القصة .. فعليك أن تغير رأيك تماما و فورا حين تعرف فقط و أن
تعتبر أيضا أن هذا هو أول عمل فني في التاريخ يهديه كاتب لنفسه أولا , لعله لا
يصير أيضا من ذوي السترات البيضاء ؛ الكاذبة .. لعله !! ).
الاثنين، 7 مايو 2012
متر مربع
ما الجديد ؟؟
هو كما هو ... كعادته
كلما أحب بصدق .. أي نوع
من أنواع الحب – على سبيل الاسترسال في السخافة و بفرض أن للحب أنواع – أحب أن
يملك .. أحب أن يصبح أولا .. أو وحيدا في كثير من الأحيان ..
هكذا فطر منذ خطواته
الأولى مع أصدقائه .. من البنين .. و منذ أن عرف معاني و أبعادا أخرى للصداقة في
بدايات شبابه ..
هكذا كان أسلوبه .. يحب
حتى الجنون .. حتى الأنانية .
لم ينس أبدا حين ضحك من
نفسه عندما شعر و لو بغيرة قليلة من زوجة أعز أصدقائه و كأنها ضرته ..
و كيف أدرك يومها ..
لا لم يدرك و لكنه سأل
فقط القدر "هل أخذت صديقي مني بالفعل" ؟؟
لم ينس أبدا كيف أنه التف
حول نفسه حتى البكاء حين سافر أحد أعز أصدقائه إلى الخارج و تركه .. لم يبك لأنه
لم يذهب مثله إلى " بلاد بره " أو لأنه حتى تركه مدة شهور الصيف الثلاثة
.. بل لأنه أدرك أن صديقه هذا هو هو نفسه الذي وضع أمام عينيه أنه سوف يترك هذه
البلد يوما بلا رجعة و يتركه .. لهذا بكى !!
لم ينس أبدا كيف بكى حتى النشيج ليلتها و هو في غرفته المظلمة دون أن يشعر به أحد .. يذكر كيف بكى ليلتها لمجرد دعابة أعز أصدقائه معه عندما أخبره أن أحد العرافات أخبرته منذ ما يقرب من عشر سنوات أنه سيدخل الطب و لكن في السنة السادسة ستصدمه سيارة و ينتهي .. يذكر كيف بكى بجنون ليلتها و كيف صار ذلك الموضوع هو محور صلاته اليومي .. و كيف صار مع صديقه هذا كلما عبرا الشارع سوياً لا يتركه أبدا يكون الأقرب لاتجاه السيارات .. ثم يقول له محاولا إظهار السخرية : " حتى إذا صدمتك سيارة العرافة أكون أنا قبلك " !!
يذكر كل هذا و يذكر
الإنسانة الوحيدة التي أحبها حتى الآن – كما يحب الرجال النساء – و كيف حدث ما حدث
و لا داعي لتكرار القصص " فقط اقرأ قصة العيادة " !!
يذكر بعدها مباشرة أنه اكتشف دربا جديدا من المحبة لم يسلكه من قبل .. نوعا جديدا من المحبة غمره غمرا .. إنقض عليه انقضاضا .. فلم يملك إلا بأن يبادل هذا الحب بالحب .. كانوا يعلمونه منذ صغره "لا صداقة بين الولد و البنت" .. هو نفسه لا زال يقول ذلك و يردده .. و لكن , يا جماعة أنتم لا تعرفون شيئا !!
بالله كيف يمكن أن تصير
علاقتك مع هذا الكم من الحب الصادق - الذي تشعر معه انك ابن و ليس صديق – و
الثقافة و رجحان العقل و نقاء القلب و الصدق النادر و حب الكمال في كل شئ .. كيف
تصير علاقتك مع كل هذا مجرد مصافحة من بعيد لبعيد !! أمن فصيلة الأحجار أنت ؟؟!
" إذن هو الارتباط يا أخ علي , ما هو يا كده يا كده , مافيش وسط !! " , صدقوني أنا نفسي كنت أدعي ذلك شطرا كبيرا من الزمان .. و لكن الوضع مختلف !! نحن نختلف في الكثير أيضا رغم كل ذلك .. فهمت ؟
" أتحبها ؟ " ,
طبعا
" وقتها ستجد الحب
يقرب كل شئ " , لست أحبها هذا الحب !!
" أأفلاطوني أنت
" ؟
وقف أمام هذا السؤال
قليلا و لم يجب !!
لا , لست أفلاطونيا طبعا
.. أنا رجل و إذا أحببت امرأة .. حب رجل لامرأة لا أقبل بأي حال من الأحوال أن
أكون ثانياً أو أولا بشرطة .. أو أن يكون هناك غيري في اللستة أصلا !!
و لكني لست أحبها هكذا في
الأساس .. أحبها كأخت , كصديقة , كملهمة , كحالة و وجود من المحبة الوالدية
الصافية التي لا تهدأ حتى تخرجك من كل أحزانك .. فتصل بذلك إلى حالة تنسى فيها
اختلاف الجنسين أصلا !!
لم أحبها ذلك الحب ..
بدليل أنني سوف أكون أكثر الناس فرحاً يوم فرحها ..
فرحها ؟؟!!
فرحها ؟؟!!
يترك الحوار للحظة ..
يتذكر أعز أصدقائه الذي أحس بافتقاده عندما تزوج !!
يقول لنفسه هذا صديق !! فكم يكون الحال بالصديقة !!
يقول لنفسه هذا صديق !! فكم يكون الحال بالصديقة !!
هل ستذكرني حقاً و أنا
الحديث العهد بصداقتها !!
سنفترق لا محالة بلا رجعة
كسابق الأيام ..
لماذا تجبرنا الحياة على ما لا نريد ؟؟
لماذا لا تتركنا تلك الدنيا اللعينة مع كل من أحببنا و كل من صادقنا و كل من تمنينا ؟؟ لماذا لا تتركنا و حالنا في جزيرة بعيدة عن الموت و الفراق و الهجرة لأمريكا !! بعيدا عن ساقية عمل و زواج و أولاد تدور و تدور حتى الموت ثم لا نحصد من مائها شيئا بعد ذلك !!
لماذا ؟؟
لماذا لا تتركنا تلك الدنيا اللعينة مع كل من أحببنا و كل من صادقنا و كل من تمنينا ؟؟ لماذا لا تتركنا و حالنا في جزيرة بعيدة عن الموت و الفراق و الهجرة لأمريكا !! بعيدا عن ساقية عمل و زواج و أولاد تدور و تدور حتى الموت ثم لا نحصد من مائها شيئا بعد ذلك !!
لماذا ؟؟
يئن .. تدور الأفكار في
رأسه !!
يتأرجح ما بين تفكير
يجبره عليه خوفه من الافتراق .. و ما بين صداقة أخوية حقيقية عميقة تنمو يوماً
بعد يوم !!
يستعيد عافيته تماما من
قصة حبه العاثرة الأولى و الوحيدة .. فتتضح أمامه الكثير من الأمور بعدها .. و يرى كيف
أن العقل هو أحد الهبات الربانية التي لا تنمو بداخلك إلا بالتجارب .. لتعينك على
الكثير فيما بعد ..
كان جالساً يومها يفكر .. لا يدري ما الذي جعله ينشغل بتلك العمارة ذات العدد الذي لا ينتهي من الطوابق
التي تبنى حديثا أمام منزله .. يتأملها في أوقات فراغه .. الذي صار لا ينتهي أيضا !!
تنشأ بينه و بين العمارة
علاقة صداقة أيضا .. ينتعش برؤية تصميماتها البديعة و زخارفها المبهرة .. يشعر
بالغبطة و هو يراها تنمو يوما بعد يوم و تعلو على ما يجاورها من أبراج .. و كأنه واحدا ممن شاركوا في بنائها .. صاروا أصدقاءا ..
هو لا يريد أن يسكن ذلك العقار .. لأنه ببساطة بمجرد أن يسكن فيه لن يستطيع بعد اليوم أن يتأمله و هو
يعلو .. بل لن يراه أصلا ..
كان غارقا في أفكاره تلك ..
يحاول أن يشغل ذهنه ..
يرى البنائين و هم يلقون
بأسياخ الحديد التي سيقوم عليها الدور التالي .. يشعر أن كل سيخ لكي يأخذ مكانه صحيح قد
يعطي شيئا من الضوضاء أولا .. إذ لابد أن يصطدم ببعض الأسياخ و الأخشاب الأخرى ..
و لكنه بمجرد أن يستقر في مكانه المحدد .. يصبح واحدا من أساساتك التي تبنى عليها
حياتك بأكملها .. و التي لا يمكن أن تضعها كلها في متر مربع واحد .. و إلا صرت
عقارا مساحته متر مربع واحد بالتبعية !!
هو لا يريد أن تصبح
مساحة حياته مترا مربعا ككثيرين غيره !!
لا يريد .
لا يريد .
الجمعة، 4 مايو 2012
صباح
صباحكم أمل
صباح المـعـافرة
صباح العـمل
صباح اللي رتّـل :
مافيش مستحيل
صباح اللي كمِّل
و قام و احتمل
صباح اللي غنّى
بلحن الضمير
صباح اللي خلّى
البعيد مُـحتمل
صباح اللي فاضل
ما بـطَّـل هتاف
صباح اللي ناضل
ف أيام عجاف
صباح بألف صحة
يا صوت اللي صحى
يا قلب اللي ضحى
و لا عمره خاف
..
صباحك يا ماشي
ف نور الصباح
صباحك يا رايح
تجيب اللي راح
صباحكم شروق
صباحكم ربيع
إيديكم لفوق
يفوق الجميع
صباحكم يـبدل
دموعه بندى
صباحكم مكمِّـل
لأبعد مدى
صباحكم مصمم
كده أو كده
و حالف يشقشق
يغيظ العِـدا
صباحكم هايوصل
صباحكم هايكمَـل
و صبح اللي رافض
مصيره الفشل
صباحكم أمل
صباحكم نجاح
صباحكم عمل
صباح اللي رتّـل :
مافيش مستحيل
صباح اللي كمِّل
و قام و احتمل
...
كيرلس سمير
2012
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)